يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} يس .12
إنّ الحديث عن الحسنات والسيّئات أمرٌ لا مفرَّ منه؛ لأنَّ الحساب يوم القيامة يكون بالموازين؛ يقول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} الأنبياء .47
فالسيئات جمعُ سَيِّئَةٍ، وَهيَ كلُّ مَعْصِيَةٍ تُغْضِبُ الربَّ وَيُعَاقِبُ عليها، فهيَ سَيِّئَةٌ في ذَاتِهَا وَسيِّئةٌ في فِعْلِهَا، يَكْتَسِبُ بها صَاحِبُهَا السُّوءَ وَالظُّلْمَةَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاس رضي الله عنهما: إِنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوَادًا في الوَجْهِ. وَللسَّيِّئَاتِ مَلَكٌ مِنْ على الشمالِ يَكْتُبُهَا، وَمَلَكُ اليمينِ أَمِيرٌ عَلَيْهِ يَنْتَظِرُ سِتَّ سَاعَاتٍ ثمَّ يَكْتُبُهَا.
والسيّئة الجارية هي عكس الحسنة الجارية، وهي أيّ عمل سيّء يدوم ذنبه بالحياة وبعد الممات، وهناك بعض الأشياء أو الأعمال الّتي نستصغرها نحن وهي حطب يشعل قبورنا، وهو أساس عدم توفيقنا وعدم استجابة دعائنا وغيرها من العقوبات.
والكثـيرٌ من النَّاس يغفلون عن مسألة السيِّئات الجارية وخطورة شأنِها؛ لأنَّ من السيِّئات ما إذا مات صاحبها، فإنَّها تنتهي بموته، ولا يَمتد أثـر تلك السيّئات إلى غير صاحبها. ولكنْ من السيّئات ما تستمر ولا تتوقف بموت صاحبها، بل تبقى وتجري عليه، وفي ذلك يقول حُجّة الإسلام أبو حامد الغزالي: ''طوبى لمَن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يَموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثـر يُعذَّب بها في قبره، ويُسْأل عنها إلى آخر انقراضها'' (إحياء علوم الدِّين، 2/74). وقد جاءت النصوصُ الشرعيةُ محذِّرة من هذا النوع من السيّئات؛ منها قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} النحل .25 وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ''مَن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثـم مثـل آثـام مَن تَبِعَه لا ينقص ذلك من آثـامهم شيئًا'' رواه مسلم، وفي رواية: ''من سنّ في الإسلام سُنّة سيّئة، كان عليه وزرها ووزر من عَمِلَ بها من بعده من غير أنْ ينقص من أوزارهم شيء'' رواه مسلم.
وبما أنَّنا نعيش في عصرٍ تيسَّرتْ فيه وسائلُ الاتِّصالات، ونقل المعلومات، أصبح من الأهمية بمكان التَّذكير بشناعة السيِّئات الجارية، ومدى خطورتِها على صاحبها، فكم من إنسان أهلك نفسه، وحمَّل كاهله سيّئاتٍ لم تكن محسوبة عندما نصَّب نفسه داعيًا إلى الضَّلال وناشرًا إلى المنكر من حيث يشعر أو لا يشعر! ومِنْ ثَـمَّ؛ فإنَّه بسبب ما نشهده من تقدم وتطوُّر في سائر نواحي الحياة ـ لاسيما في مجال نقل المعلومات ـ كانت صور السيّئات الجارية متعددة، لعلّ من أبرزها ما يلي:
ـ إنشاء القنوات الفاسدة الّتي تبثُّ الأفكار المخالفة للإسلام، وتروِّج للأخلاق المنحرفة، كقنوات أهل البدع، وقنوات الأفلام الهابطة، والأغاني الماجنة، فأصحابُ تلك القنوات والمساهمون فيها ماديًّا ومعنويًّا يتحمَّلون آثـام هذه القنوات وآثـارها السيّئة، وهم فتحوا على أنفسِهم بابًا لا يكاد يُغلق من السيِّئات الجارية إلاَّ أن يتوبوا إلى الله عزّ وجلّ.
ـ إنشاء المواقع والمنتديات الفاسدة والضَّارة، كالمواقع الإباحية ومواقع أهل الفسق والضلال، وهذه المواقع ثَـبَتت أضرارها وآثـارها الخطيرة على المجتمعات الغربية قبل المسلمة.
منقول عن
عبد الحكيم فماز